mercredi 27 août 2008

الصحبي صمارة : النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين... السلطة تعدّ لانقلاب على المستقلّين ؟


ينصبّ اهتمام "بارونات" قطاع الصحافة في تونس منذ أسابيع على صياغة سيناريوهات عديدة لانقلاب بات ضروريا على الأغلبية المستقلّة في المكتب التنفيذي للنقابة. فبعد تحقيق أنصار السلطة ولوبيّاتها في القطاع لفوز ساحق في انتخابات اللّجان الوطنية التي جرت يومي 19 و20 جويلية المنقضي تحوّلت الأنظار صوب البحث عن مخرج تقني يتمّ من خلاله إقصاء رئيس النقابة ناجي البغوري وكاتبتها العامّة سكينة عبد الصمد وثلّة من أعضاء المكتب التنفيذي الذين يتمسّكون بخيار استقلالية القطاع وتحسين وضعه المادّي والمعنوي.
السياق التاريخي
وبوضع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في السياق التاريخي لنشأتها نعثر على أدلّة تثبت تتبّع السلطة لاستراتيجية محكمة تمكّنها من العودة للهيمنة على القطاع. فالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الحالية كانت مكسبا للقطاع أكرهت السلطة على السماح له بالظهور بعد الخطوات التي سارتها نقابة الصحفيين التونسيين التي ترأسها الصحفي لطفي حجّي منذ الإعلان عن تأسيسها سنة 2005، حيث لم يرق للسلطة أن تكون هناك نقابة لقطاع تعتبره ملكها الخاص وأدوات زينتها داخل البلاد وخارجها. وقد تمكّنت النقابة التي تأسست على يد لطفي حجّي وعدد من الصحفيين المعروفين باستقلاليتهم من السير نحو النجاح لتدخل في شتاء 2007 في مفاوضات رسمية مع الاتحاد العام التونسي للشغل حتّى تكون هيكلا نقابيا في صلبه وبالفعل تمّ توزيع عدد هام من الانخراطات تحمل طابع الاتحاد وبعد جلستين عامّتين بدأت قيادة الاتحاد تتعرّض لضغط كبير من السلطة حتّى تتراجع عن احتضان المشروع وتمّ الدفع داخل
جمعية الصحفيين التونسيين باتجاه التسريع لتحويلها إلى نقابة وهو ما تمّ فعلا في المؤتمر التأسيسي في شهر جانفي 2008 الذي أعلن فيه عن حلّ جمعية الصحفيين التونسيين وتوريث هياكلها ومكاسبها للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي سرعان ما أنجزت مؤتمرها في مناخ ديمقراطي عبّرت نتائجه بكلّ وضوح عن غضب واحتجاج الصحفيين التونسيين ضدّ واقعهم المادي المتردّي وضدّ حالة الحصار وخنق الحرّيات التي راكمت لعشرات السنين إعلاما هزيلا وفاقدا لأدنى خصائص المصداقيّة.
اختار الصحفيّون في خلواتهم الانتخابية وبعيدا عن الخوف والوصاية قيادة للمكتب التنفيذي أغلبها مستقلّ يدافع عن حقوق القطاع وشرف المهنة. وكانت هذه النتائج بطاقة حمراء توجّه إلى مسؤولي السلطة في كتابة الدولة للإعلا
م وإلى وزير الخارجية عبد الوهاب عبد الله الذي لا يزال يمسك بخيوط القطاع ويتحكّم فيه بمنطق الوصيّ.
وسرعان ما انخرطت النقابة الجديدة التي ولدت بين خيارين أحلاهما مرّ الأوّل قاده لطفي حجّي الذي تعتبره السلطة عدوّها اللّدود والثاني أن تجازف بالسماح بتأسيس نقابة في وقت قياسي قد تكون نتائجه عكس ما تتوقّعه وهو ما تمّ فعلا.
وبعد أقلّ من خمسة أشهر من عمل النقابة الجديدة تراوحت بين اعتصامات وإضرابات وتنازلات أجبر فيها رافع دخيل وزير الاتصال على
الجلوس إلى طاولة التفاوض ليقدّم وعودا أخلف أغلبها، وجدت السلطة نفسها مضطرّة إلى إعادة ترتيب صفوفها من جديد والبحث عن سبل تطويق هذا النفس التحريري الناشئ في القطاع والذي بدأ يستقطب شبابه بشكل ملفت.
خارطة الحصار
بداية السيناريو كانت بفصل صندوق التآزر عن النقابة ومنح إدارته لأحد أعضاء المكتب التنفيذي فتحوّل هذا الصندوق إلى مصبّ للأموال ولكنّه خلا من طبيعته التآزرية بل إنّ أهدافه ومهامّه ليست واضحة بالمرّة في وقت يعاني فيه المئات من الصحفيين ظروفا قاهرة.
أمّا الخطوة الثانية فهي الضغط باتجاه
توسيع المكتب التنفيذي بانتخاب 10 لجان وطنية يكون رؤساؤها أعضاء في المكتب التنفيذي الموسّع للنقابة وقد أعدّت السلطة لهذه الفرصة ما استطاعت من أموال ومن "رباط الضمائر" حيث اشتغلت بشكل متقن على إعادة استقطاب الصحفيين وخصوصا الشباب بادّعاء أنّ المكتب الحالي له قيادة راديكالية ولها أجندة سياسية ولا تعمل لصالح القطاع بل لمعاداة السلطة ثمّ أضافت إلى هذا الخطاب قليلا من الوعود فاشترت ذمم البعض وحيّدت البعض وأخافت البعض ولكنّها في النهاية دخلت الانتخابات في 19 و20 جويلية لا بعدد من الصحفيين أصحاب المواقف والتصوّرات بل بجيش أجّرته ليصوّت لمرشّحيها ويغادر القاعة حاملا إحساسا بالندم على التناقض الجوهري مع قناعاته وإحساسا بالطمأنينة لأنّه تجنّب عقاب السلطة المحتمل.
وفي السياق نفسه تعمل السلطة عبر ممثّليها في القطاع وهم في الغالب شيوخ مهنة منهم من لم يكتب حرفا منذ عشرين عاما على إقصاء ناجي البغوري ومن معه ولكن هذه المرّة بإدخال
النقابة في صراع داخلي بين أنصار المهادنة الذين لا يعنيهم مضمون الرسالة الصحفية إنّما يعنيهم ما يجنونه من أموال وما يجب أن يحصلوا عليه من امتيازات بدءا بالمنزل وصولا إلى السيارة، وبين أنصار الاستقلالية والمهنية الذين أصبحوا قادة لجمهور تمّ شراؤه وتأجيره وسرعان ما تخلّى عنهم في الجولة الثانية.
وتحت عنوان عقلنة التمشّي ومسايرة الوضع والوصولية تحرّكت النقاشات في الزوايا المظلمة ليهمس البعض للبعض الآخر بضرورة إيجاد بديل للبغوري ومن معه من الذين أصدروا تقرير يوم 3 ماي حول حرّية الصحافة وواقعها في تونس كان قد حظي باحترام الجميع ما عدا السلطة ومن يعتقد فيها.

الوضعية الحالية وحتميّة الانقلاب القادم لا تفسّر في الحقيقة استنادا إلى دعاوي تصلّب القيادة الحالية وما شابه هذه الدعاوي بل على العكس فالقيادة الحالية هادئة ومتزنة ولطيفة للغاية مقارنة بغيرها من النقابات الممثّلة لقطاعات الإعلام
في جميع بلدان العالم إنّما تفسّر هذه الوضعية استنادا إلى منطق السلطة وجوهرها. فهي ضدّ أيّة إرادة حرّة وجماهيرية وضدّ أي عنصر يجمع عليه أغلبية ما من الرأي العام بشكل مطلق ومن النخب بالخصوص لذلك فهي لا تسعى لإقصاء البغوري من رئاسة النقابة بل لتقصي إرادة أغلبية الصحفيين ولتجهض رأيهم الذي عبّروا عنه، ولأوّل مرّة، في انتخابات ديمقراطية وهو سعي محموم لتكسير رمزيّة الاختيار الحرّ أينما كانت وكيفما كانت وهو أيضا سعي محموم وليد تركيبة نفسية تكره في عمقها أيّ فعل ديمقراطي حقيقي وتجهد نفسها
لتزويره بشتّى الطرق.
لهذه الأسباب أعادت السلطة تنشيط خلاياها النائمة المسؤولة على تخريب كلّ مسار تحرّري وضخّت أموالها وأرجعت شيوخها إلى حلبة الصراع للقضاء على مستقبل صحافة حرّة ونزيهة بعيدة عن لعبة المال والإعلام الكاذب ولتعيد القطاع إلى وضعه القديم حيث تكتب مقالات الرأي حسب الطلب وتصاغ التحقيقات والروبورتاجات حسب البورصة السوداء.

موقع كلمة الإلكتروني بتاريخ 26 أوت 2008
المصدر : تونسنيوز،
العدد 3017 بتاريخ 26 أوت 2008

تعقيـب

أقدّر حماسة الزميل الصحبي صمارة وغيرته على استقلالية النقابة، لكن أحــذّره من الوقوع في محظورين :
1- التجنّي على الديمقراطية باستبطان مبدإ "الديمقراطية أنا، ولا ديمقراطية من بعدي!!؟
وأذكّـره بأن السعي لإصلاح التجاوزات في إطار القانون لا يمكن اعتباره انقلابا. فالانقلاب يكون من خلال تعطيل الآليات القانونية وليس العكس.وأذكّـره كذلك بأن الاستقلالية ليست فردا أو اثنين أو حتى مجموعة أنفار. الاستقلالية قيمة متأصلة في نفس كلّ صحفي جدير بحمل هذه الصفة، وقاعدة ارتكاز للعمل الصحفي لا يبني دونها.
والاستقلالية ليست شعارا مجرّدا للتنفيس أو المزايدة، لكنها عمل دؤوب لتركيز أسس صلبة للحرّيـة وقدرة على الصبر والتحمّل.
وإذا كانت السلطة تعمل على إيجاد مواطن نفوذ داخل النقابة، فعديدة هي الأطراف الأخرى غير المهنيّة التي تقوم بنفس العمل. وواجبنا جميعا أن نحمي استقلالية نقابتنا من كلّ التدخلات ومحاولات الهيمنة ومصادرة القرار الصحفي مهما كان مأتاها، مع القدرة على تحقيق مكاسب للصحفيين وللمهنة من شأنها أن تنهض بها. وهو ما يتطلب حنكة عالية ومهارة في القيادة تغلّب مصالح الصحفيين وتنتصر لهم.

وعلينا أن لا ننسى في كلّ الحالات أن الديمقراطية تعنى سلطة الأغلبية. وتعنى كذلك العمل على كسب هذه الأغلبية من
خلال الإقناع وبناء الجسور المحققة لذلك، وليس شتمها عند العجز عن استمالتها.

2- التجنّي على الصحفيين ووصفهم بنعوت تحقيرية. وهي مسألة مرفوضة مهما كانت الأسباب والدوافع. ما يجمع بيننا كصحفيين هو الانتماء لمهنة واحدة، ومبدأ التضامن بيننا مقدّس مهما كانت خلافاتنا.فمن غير المقبول أن نهلّل لقرار الصحفيين عندما يكون في اتجاه معيّن يوافق هوى في نفوسنا، ثمّ نشبعهم سبّا وتحقيرا عندما لا يوافق قرارهم هوانا أو ما نراه حقائق بالنسبة لنا. فالحقيقة نسبية ولا يمكن لأي طرف ارتهانها

ملاحظة أخيرة : تقول الأمثال "لا تبصق في بئرك، فمصيرك أن تعود لتشرب منها". وتقول كذلك : "الرأي قبل شجاعة الشجعان".. ونحن في مرحلة تتطلّب الكثير من الحكمة وإعمال الرأي.. السّباب والصراخ لن يحلّ مشاكلنا!؟


1 commentaire:

Zied El-Heni a dit…

أقدّر حماسة الزميل الصحبي صمارة وغيرته على استقلالية النقابة، لكن أحذره من الوقوع في محظورين :
1- التجنّي على الديمقراطية باستبطان مبدإ "الديمقراطية أنا، ولا ديمقراطية من بعدي!!؟
وأذكّـره بأن السعي لإصلاح التجاوزات في إطار القانون لا يمكن اعتباره انقلابا. فالانقلاب يكون من خلال تعطيل الآليات القانونية وليس العكس.وأذكّـره كذلك بأن الاستقلالية ليست فردا أو اثنين أو حتى مجموعة أنفار. الاستقلالية قيمة متأصلة في نفس كلّ صحفي جدير بحمل هذه الصفة، وقاعدة ارتكاز للعمل الصحفي لا يبني دونها. والاستقلالية ليست شعارا مجرّدا للتنفيس أو المزايدة، لكنها عمل دؤوب لتركيز أسس صلبة للحرّيـة وقدرة على الصبر والتحمّل. وإذا كانت السلطة تعمل على إيجاد مواطن نفوذ داخل النقابة، فعديدة هي الأطراف الأخرى غير المهنيّة التي تقوم بنفس العمل. وواجبنا جميعا أن نحمي استقلالية نقابتنا من كلّ التدخلات ومحاولات الهيمنة ومصادرة القرار الصحفي مهما كان مأتاها، مع القدرة على تحقيق مكاسب للصحفيين وللمهنة من شأنها أن تنهض بها. وهو ما يتطلب حنكة عالية ومهارة في القيادة تغلّب مصالح الصحفيين وتنتصر لهم. وعلينا أن لا ننسى في كلّ الحالات أن الديمقراطية تعنى سلطة الأغلبية. وتعنى كذلك العمل على كسب هذه الأغلبية من خلال الإقناع وبناء الجسور المحققة لذلك، وليس شتمها عند العجز عن استمالتها.
2- التجنّي على الصحفيين ووصفهم بنعوت تحقيرية. وهي مسألة مرفوضة مهما كانت الأسباب والدوافع. ما يجمع بيننا كصحفيين هو الانتماء لمهنة واحدة، ومبدأ التضامن بيننا مقدّس مهما كانت خلافاتنا.فمن غير المقبول أن نهلّل لقرار الصحفيين عندما يكون في اتجاه معيّن يوافق هوى في نفوسنا، ثمّ نشبعهم سبّا وتحقيرا عندما لا يوافق قرارهم هوانا أو ما نراه حقائق بالنسبة لنا. فالحقيقة نسبية ولا يمكن لأي طرف ارتهانها
ملاحظة أخيرة : تقول الأمثال "لا تبصق في بئرك، فمصيرك أن تعود لتشرب منها". وتقول كذلك : "الرأي قبل شجاعة الشجعان".. ونحن في مرحلة تتطلّب الكثير من الحكمة وإعمال الرأي.. السّباب والصراخ لن يحلّ مشاكلنا!؟