samedi 30 août 2008

عادل القادري : إلى متى حجب المواقع والمدونات في تونس؟


بالرغم من كل الإجراءات الرائدة والقرارات الهامة والمشاريع الواعدة والإمكانيات المرصودة والملتقيات الوطنية والمؤتمرات الدولية والقمة العالمية، بقيت شبكة الانترنت في تونس أوهن من بيت العنكبوت بسبب تواصل حجب العديد من مواقع الواب والمدونات. وتشكل هذه المسألة المثيرة فعلا للجدل نقطة سوداء في وجه كل ما أنجزته بلادنا في مجال تكنولوجيات الاتصال. و ما زالت علامة منع النفاذ المميزة 404 تصدم آلاف المبحرين التونسيين الذين ضجت أنفسهم وضاقت صدورهم بما تفعله بهم دون احترام أو سابق إعلام الوكالة التونسية للانترنت في فضاء تواصلي كوكبي يفترض أنه الأكثر انفتاحا وحرية، وإن كان الأرجح أن هذه الوكالة الخاضعة لسلطة إشراف وزارة تكنولوجيات الاتصال قد تكون مجرد أداة تنفيذ. ويبدو جليا أن شرطة المرور الافتراضي في بلادنا قد تجاوزت حدود المعقول والمقبول والمبرر، حيث توسعت دائرة المواقع غير المرغوب فيها ولم تعد تقتصر على عدد من المواقع السياسية والحقوقية والإباحية والمتطرفة والمدونات الشخصية لتشمل أهم المواقع ومحركات البحث العالمية "المحايدة" والتي يبلغ عدد المشتركين في بعضها مئات الملايين من الأشخاص، فبعد حجب موقع يوتيوب ذي المرتبة الثالثة عالميا وموقع دايلي موشن المتخصصين في التنزيلات السمعية البصرية منذ فترة طويلة جاء الأسبوع الفارط دور الموقع الالكتروني الخامس في العالم وهو الفايسبوك ليلبس بدوره حجابا تونسيا أصيلا ... واتخذت هذه العملية الأخيرة التي استهدفت أهم شبكة تواصلية اجتماعية في العالم حجم فضيحة حقيقية نعتقد أن المسؤولين التونسيين عنها لم يقدروا أبعادها وتداعياتها. وهل يعقل أنه بسبب نافذتين أو ثلاثة نغلق شبكة بملايين الروابط المفيدة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا وتربويا ...
وقد يقول بعض خبرائنا إن حجب المواقع غير ممكن تقنيا في إشارة إلى أنه يمكن النفاذ إلى أي موقع في العالم باستعمال البروكسيات، ولكنهم يعلمون جيدا أن أغلب مستخدمي الانترنت لا يسلكون هذه الطرق الملتوية ويكتفون بمضائق الطرق الشرعية وما أكثرها في بلادنا...
ومع كل ذلك، لسنا ممن يرفعون شعار "الحرية كل لا يتجزأ " على الإطلاق، كما أننا لا ندعو إلى الإلغاء الكامل للرقابة على الانترنت لأن العديد من المواقع المحرضة فعلا على العنف والإرهاب والكراهية والعنصرية أو المسيئة للأخلاق الحميدة والمهددة للأطفال وغيرها تستحق ليس فقط الحجب بل حتى متابعة أصحابها ولكن نعتقد أن أغلب المواقع والمدونات الممنوعة عندنا ولا سيما التونسية منها ليست من هذا الصنف كما أن عملية المنع أو الحجب لا تخضع لأي ضوابط أو معايير واضحة قانونية مثلما هو معمول به في العديد من البلدان الأخرى التي يستند بعضها إلى حكم قضائي معلل قبل إغلاق أي موقع، في حين يغلب عندنا الطابع العشوائي والاعتباطي فيما يعتبره بعض المسؤولين تنظيفا للشبكة من العناكب السوداء المتهمة بالإساءة لصورة البلاد . والواقع يؤكد أن عملية حجب المواقع الالكترونية والمدونات التونسية وغيرها قد أساءت لسمعة بلادنا وصورتها في العالم أكثر من أي شيء آخر بما في ذلك بعض الأحداث الاحتجاجية والاضطرابات التي تحدث طبيعيا في أرقى البلدان، ويعتقد أنه بسبب التسجيلات المتعلقة بها تم إغلاق بعض المواقع.
وإذا كان الشباب هم أكثر من يستخدمون الانترنت في بلادنا، فإنه يمكن القول بالاستناد إلى شعار تونسي رفعناه هذه السنة 2008، إن حرية الإبحار على شبكة الانترنت هي الحل وليست المشكل. وعلى المسؤولين عن الإعلام والاتصال عندنا مراجعة أنفسهم ومواكبة روح العصر والمعنى الحقيقي لمجتمع المعلومات لا أن يكتفوا بتقنياته وبرمجيات الفلترة وصناعة الذكاء، لأن ما يقومون به ليس فقط تجاوزا لسلطاتهم وللقانون بل اعتداء مباشر على ذكاء الإنسان التونسي الذي لم يعد قاصرا.

عادل القادري (جريدة الوحدة)

نقلا عن "تونس نيوز"، العدد 3020 بتاريخ 29 أوت 2008

Aucun commentaire: